فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



انتهى، وهي نزغة اعتزالية.
ومذهب أهل السنة جواز غفران الله للعاصي، وإن لم يتب إلا الشرك.
والتوب يحتمل أن يكون كالذنب، اسم جنس؛ ويحتمل أن يكون جمع توبة، كبشر وبشرة، وساع وساعة.
والظاهر من قوله: {وقابل التوب} أن توبة العاصي بغير الكفر، كتوبة العاصي بالكفر مقطوع بقبولها.
وذكروا في القطع بقبول توبة العاصي قولين لاهل السنة.
ولما ذكر تعالى شدة عقابه أردفه بما يطمع في رحمته، وهو قوله: {ذي الطول} فجاء ذلك وعيدًا اكتنفه وعدان.
قال ابن عباس: الطول: السعة والغنى؛ وقال قتادة: النعم؛ وقال ابن زيد: القدرة، وقوله: طوله، تضعيف حسنات أوليائه وعفوه عن سيئاتهم.
ولما ذكر جملة من صفاته العلا الذاتية والفعلية، ذكر أنه المنفرد بالألوهية، المرجوع إليه في الحشر؛ ثم ذكر حال من جادل في الكتاب، وأتبع بذكر الطائعين من ملائكته وصالحي عباده فقال: {وما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} وجدالهم فيها قولهم: مرة سحر، ومرة شعر، ومرة أساطير الأولين، ومرة إنما يعلمه بشر، فهو جدال بالباطل، وقد دل على ذلك بقوله: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} وقال السدي: ما يجادل: أي ما يماري.
وقال ابن سلام: ما يجحد.
وقال أبو العالية: نزلت في الحرث بن قيس، أحد المستهزئين.
وأما ما يقع بين أهل العلم من النظر فيها، واستيضاح معانيها، واستنباط الأحكام والعقائد منها، ومقارعة أهل البدع بها، فذلك فيه الثواب الجزيل.
ثم نهى السامع أن يغتر بتقلب هؤلاء الكفار في البلاد وتصرفاتهم فيها، بما أمليت لهم من المساكن والمزارع والممالك والتجارات والمكاسب، وكانت قريش تتجر في الشأم والمين؛ فإن ذلك وبال عليهم وسبب في إهلاكهم، كما هلك من كان قبلهم من مكذبي الرسل.
وقرأ الجمهور: {فلا يغررك} بالفك، وهي لغة أهل الحجاز.
وقرأ زيد بن علي: وعبيد بن عمير: فلا يغرك، بالإدغام مفتوح الراء، وهي لغة تميم.
ولما كان جدال الكفار ناشئًا عن تكذيب ما جاء به الرسول، عليه السلام، من آيات الله، ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة، وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله بهم، ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول، عليه السلام، إليهم؛ فبدأ بقوم نوح، إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض، وعطف على قومه الأحزاب، وهم الذين تحزبوا على الرسل.
ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله، ومنهم: عاد وثمود وفرعون وأتباعه، وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل، لأن الرسل لما عصمهم الله منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل.
وقرأ الجمهور: {برسولهم} وقرأ عبد الله: برسولها، عاد الضمير إلى لفظ أمة.
{ليأخذوه} ليتمكنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل.
وقال ابن عباس: ليأخذوه: ليملكوه، وأنشد قطرب:
فاما تأخذوني تقتلوني ** فكم من آخذ يهوى خلودي

ويقال للقتيل والأسير: أخيذ.
وقال قتادة: {ليأخذوه} ليقتلوه، عبر عن المسبب بالسبب.
{وجادلوا بالباطل} أي بما هو مضمحل ذاهب لا ثبات له.
وقيل: الباطل: الكفر.
وقيل: الشيطان.
وقيل: بقولهم: {ما أنتم إلا بشر مثلنا} {ليدحضوا} ليزلقوا، {به الحق} أي الثابت الصدق.
{فأخذتهم} فأهلكتهم.
{فكيف كان عقاب} إياهم، استفهام تعجيب من استصالهم، واستعظام لما حل بهم، وليس استفهامًا عن كيفية عقابهم، وكانوا يمرون على مساكنهم ويرون آثار نعمة الله فيهم؛ واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة لأنها فاصلة، والأصل عقابي.
{وكذلك حقت} أي مثل ذلك الوجوب من عقابهم وجب على الكفرة، كونهم من أصحاب النار، من تقدم منهم ومن تأخروا.
{أنهم} بدل من {كلمة ربك} فهي في موضع رفع، ويجوز أن يكون التقدير لأنهم وحذف لام العلة.
والمعنى: كما وجب إهلاك أولئك الأمم، وجب إهلاك هؤلاء، لأن الموجب لإهلاكهم وصف جامع لهم، وهو كونهم من أصحاب النار.
وفي مصحف عبد الله: وكذلك سبقت، وهو تفسير معنى، لا قراءة.
وقرأ ابن هرمز، وشيبة، وابن القعقاع، ونافع، وابن عامر: {كلمات} على الجمع؛ وأبو رجاء، وقتادة، وباقي السبعة: على الإفراد. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{حم} بتفخيمِ الألفِ وتسكينِ الميمِ. وقُرئ بإِمالةِ الألفِ وبإخراجِها بينَ بينَ وبفتحِ الميمِ لالتقاءِ الساكنينِ أو نصبِها بإضمارِ اقرأْ وَنَحوِهِ، ومنعُ الصرفِ للتعريفِ والتأنيث أو للتعريف وكونِها على زنةِ قابيلَ وهابيلَ. وبقيةُ الكلامِ فيه وفي قولِه تعالى: {تَنزِيلُ الكتاب} كالذي سَلَفَ في آلم السجدةِ. وقولُه تعالى: {مِنَ الله العزيز العليم} كما في مَطْلعِ سُورةِ الزُّمَرِ في الوجوه كُلِّها. ووجْهُ التعرضِ لنعتَي العزةِ والعلم ما ذُكرَ هناك.
{غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِى الطول} إِمَّا صفاتٌ أُخَرُ لتحقيق ما فيها منَ الترغيبِ والترهيبِ والحثِّ على ما هو المقصودُ، والإضافةُ فيها حقيقيةٌ على أنَّه لمْ يُرَدْ بها زمانٌ مخصوصٌ وأريدَ بشديدِ العقابِ مشدِّدُه أو الشديدُ عقابُهُ بحذف اللامِ للازدواجِ وأمنِ الالتباسِ أوْ إبدالٍ وجعلُهُ وحْدَه بدلًا كما فعَلُه الزجَّاجُ مشوشٌ للنظمِ، وتوسيطُ الواو بينَ الأوليَّنِ لإفادةِ الجمعِ بينَ محوِ الذنوبِ وقبول التوبةِ أو تغايرِ الوصفينِ إذْ رُبَّما يتوهمُ الاتحادُ أو تغايرُ موقعِ الفعلينِ لأنَّ الغفرَ هو السترُ معَ بقاءِ الذنبِ وذلكَ لمن لَمْ يتُبْ «فإنَّ التائبَ منَ الذنبِ كمنْ لا ذنبَ لَهُ» والتوبُ مصدرٌ كالتوبةِ وقيل: هُوَ جَمعُها والطَّولُ الفضلُ بترك العقابِ المستَحقِ، وفي توحيد صفةِ العذابِ مغمورةً بصفاتِ الرحمةِ دليلُ سَبْقِها ورُجْحانِها {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فيجبُ الإقبالُ الكُلِّي عَلى طاعتِهِ في أوامرِهِ ونواهيهِ {إِلَيْهِ المصير} فحسبُ لا إلى غيرِهِ لا استقلالًا ولا اشتراكًا فيجازِي كلًا من المطيعِ والعاصِي.
{مَا يجادل في ءايات الله} أي بالطعنِ فيَها واستعمالِ المقدماتِ الباطلةِ لإدحاضِ الحقِّ كقولِه تَعَالى: {وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} {إِلاَّ الذين كَفَرُواْ} بَها وأمَّا الذينَ آمنُوا فلا يخطرُ ببالهم شائبةُ شبهةٍ منها فضلًا عن الطعنِ فيها وأما الجدالُ فيها لحلِّ مشكلاتها وكشفِ معضلاتها واستنباطِ حقائقِها الكلية وتوضيحٍ مناهجِ الحقِّ في مضايقِ الأفهامِ ومزالقِ الأقدامِ وإبطالِ شبهِ أهلِ الزيغِ والضلالِ فمنْ أعظمِ الطاعاتِ ولذلكَ قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنَّ جدالًا في القرآنِ كفرٌ» بالتنكيرِ للفرقِ بينَ جدالٍ وجدالٍ والفاءُ فِي قولِهِ تعالى: {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في البلاد} لترتيبِ النَّهي أوْ وجوبِ الانتهاءِ عَلَى ما قبلها منَ التسجيلِ عليهمْ بالكُفرِ الذي لاَ شيءَ أمقت منْهُ عندَ الله تعالىَ وَلاَ أجلبُ لخُسرانِ الدُّنيا وَالآخرةِ فإنَّ منْ تحققَ ذلكَ لايكادُ يَغترُّ بمَا لهُم من حظوظِ الدُّنيا وزحارِفِها فإنَّهم مأخوذونَ عَمَّا قليلٍ أخْذَ منْ قبلَهمُ منَ الأممِ حسبَما ينطق بِه قولُه تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والاحزاب مِن بَعْدِهِمْ} أي الذينَ تحزبُوا على الرسلِ وناصبوهم بعدَ قومِ نوحٍ مثلُ عادٍ وثمودَ وأضرابِهم {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} مِنْ تلكَ الأممِ العاتيةِ {بِرَسُولِهِمْ} وقُرئ برسولِها {لِيَأْخُذُوهُ} ليتمكنُوا منْهُ فيصيبوا بهِ مَا أرادُوا منِ تعذيبٍ أو قتلٍ منَ الأخذِ بمَعْنى الأَسْرِ {وجادلوا بالباطل} الذي لاَ أصلَ وَلاَ حقيقةَ لهُ أصلًا {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} الذي لا محيدَ عَنْه كما فعلَ هؤلاءِ المذكورونَ {فَأَخَذَتْهُمُ} بسببِ ذلك أخذَ عَزيزٍ مُقتدرٍ {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} الذي عاقبتُهمْ بهِ فإنَّ آثارَ دمارِهم عبرةٌ للناظرينَ ولآخذنَّ هؤلاءِ أيْضًا لاتحادِهم فِي الطريقةِ واشتراكِهم في الجَريرةِ كما ينبىءُ عنْهُ قولُه تعالى: {وكذلك حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ} أَيْ كَما وجبَ وثبتَ حكمُه تَعَالى وقضاؤُهُ بالتعذيبِ عَلى أولئكَ الأممِ المكذبةِ المُتحزبةِ عَلى رُسلِهم المجادلةِ بالباطلِ لإدحاضِ الحقِّ بهِ وجبَ أَيْضًا {عَلَى الذين كَفَرُواْ} أيْ كفرُوا بكَ وتحزبُوا عليكَ وَهمُّوا بَما لَمْ ينالُوا كما ينبىءُ عنْهُ إضافةُ اسمِ الربِّ إلى ضميرِه عليه الصَّلاةُ وَالسلامُ فإنَّ ذلكَ للإشعارِ بأنَّ وجوبَ كلمةِ العذابِ عليهمْ مِنْ أحكامِ تربيتِهِ التي مِنْ جُمْلتِها نصرتُهُ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ وتعذيبُ أعدائِهِ وذلكَ إنَّما يتحققُ بكونِ الموصولِ عبارةً عن كفارِ قومِهِ لاَ عنِ الأممِ المهلكةِ وَقولُه تعالى: {أَنَّهُمْ أصحاب النار} فِي حَيِّزِ النصبِ بحذفِ لام التعليلِ أيْ لأنهُمْ مستحقَّو أشدِّ العُقوباتِ وأفظعِها التي هيَ عذابُ النارِ وَملازمُوهَا أبدًا لكونهمْ كُفَّارًا معاندينَ متحزبينَ عَلى الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كدأبِ منْ قبلهُم منَ الأممِ المهلكةِ فهُم لسائرِ فنونِ العقوباتِ أشدُّ استحقاقًا وأحقُّ استيجابًا وقيلَ: هو في محل الرفع على أنَّه بدل من كلمة ربك والمعنى مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرةِ المهلكةِ كونُهم من أصحابِ النارِ أي كما وجبَ إهلاكُهم في الدُّنيا بعذابِ الاستئصالِ كذلكَ وجبَ تعديبُهم بعذابِ النَّارِ في الآخرةِ وَمحلُّ الكافِ عَلى التقديرينِ النصبُ عَلى أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)} إذا ظَهر البرهانُ واتَّضحَ البيانُ استسلمَتْ الألبابُ الصاحيةُ للاستجابة والإيمان.
فأمَّا أهلُ الكفرِ فلهم عَلَى الجمود إصرارٌ، وشُؤْمُ شرْكِهم يحولُ بينهم وبين الإنصاف.. وكذلك من لا يحترمون اولياء الله، ويُصِرُّونَ على إنكارهم، ويعترضون عليهم بقلوبهم، ويجادلون في جَحْدِ الكرامات، وما يخصُّ اللَّهُ به عباده من الآيات.. فهؤلاء يميزون بين رجحانهم ونقصانهم، وسيفتضحون كثيرًا.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} كذلك مَنْ انقرض مِنَ الكفار كان تكذيبُ الرُّسُلِ دَأبَهم، ولكنَّ الله- سبحانه- انتقم منهم، وعلى كُفْرِهم احترمهم.
والمُنْكِرُ لهذا الطريق يدين بإنكاره، ويتقرّبُ إلى الله به، ويعد وقيعته في أولياء الله من جملة إحسانه وخيراته، ولكن الله- سبحانه- يعذبهم في العاجل بتخليتهم فيما هم فيه، وصَدِّ قلوبهم عن هذه المعاني، وحرمانهم منها.
{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)} إذا انختم على عبدٍ حُكْمُ الله بشقاوته فلا تنفعه كَثْرَةُ ما يورَدُ عليه من النُّصح. والله على أمره غالبٌ. ومَنْ أَسَرَتْه يَدُ الشقاوة فلا يُخَلِّصُه مِنْ مخالبها جُهْدٌ ولا سعاية. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 9):

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين عداوة الكفار للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم رضى الله عنه م بقوله: {وما يجادل في آيات الله} ما بعده، وكان ذلك أمرًا غائظًا محزنًا موجعًا، وختم ذلك ببيان حقوق كلمة العذاب عليهم تسلية لمن عادوهم فيه سبحانه، زاد في تسليتهم شرحًا لصدورهم وتثبيتًا لقلوبهم ببيان ولاية الملائكة المقربين لهم مع كونهم أخص الخلق بحضرته سبحانه وأقربهم من محل أنسه وموطن قدسه وبيان حقوق رحمته للذين آمنوا بدعاء أهل حضرته لهم فقال، أو يقال: إنه لما بين حقوق كلمة العذاب، كان كأنه قيل: فكيف النجاة؟ قيل: بايقاع الإيمان بالتوبة عن الكفران ليكون موقعه أهلًا للشفاعة فيه من أهل الحضرة العلية، فيغفر له إن تاب ما قدم من الكفر، فقال مظهرًا لشرف الإيمان وفضله: {الذين يحملون العرش} وهم المقربون وهم أربعة كما يذكر إن شاء الله تعالى في الحاقه، فإذا كانت القيامة كانوا ثمانية، وهل هم أشخاص أو صفوف فيه كلام يذكر إن شاء الله تعالى: {ومن حوله} وهم جميع الملائكة وغيرهم ممن ربما أراد الله كونه محيطًا به كما تقدم في التي قبلها {وترى الملائكة حافين من حول العرش} أي طائفين به، فأفادت هذه العبارة النص على الجميع مع تصوير العظمة.
ولما كان ربما وقع في وهم أنه سبحانه محتاج إلى حملهم لعرشه أو إلى عرشه أو إلى شيء، نبه بالتسبيح على أنه غنيّ عن كل شيء وأن المراد بالعرش والحملة ونحو ذلك إظهار عظته لنا في مثل محسوسة لطفًا منه بنا تنزلًا إلى ما تسعه عقولنا وتحمله أفهامنا، فقال مخبرًا عن المبتدأ وما عطف عليه: {يسبحون} أي ينزهون أي يوقعون تنزيهه سبحانه عن كل شائبة نقص ملتبسين {بحمد} وصرف القول إلى ضميرهم إعلامًا بأن الكل عبيده من العلويين والسفليين القريب والبعيد، وكائنون تحت تصرفه وقهره، وإحسانه وجبره، فقال: {ربهم} أي باحاطة المحسن إليهم بأوصاف الكمال.
ولما كان تعالى باطنًا لا يحيط أحد به علمًا، أشار إلى أنهم مع أنهم أهل الحضرة هم من وراء حجاب الكبر وأردية العظمة، لا فرق بينهم في ذلك وبين ما هو في الأرض السفلى بقوله: {ويؤمنون به} لأن الإيمان إنما يكون بالغيب.
ولما كانوا لقربهم أشد الخلق خوفًا لأنه على قدر القرب من تلك الحضرات يكون الخوف، فهم أشد خوفًا من أهل السماء السابعة، وأهل السماء السابعة أشد خوفًا من أهل السماء السادسة وهكذا، وكانوا قد علموا من تعظيم الله تعالى للنوع الإنساني ما لم يعلمه غيرهم لأمره سبحانه لهم بتعظيمه بما اختص به سبحانه من السجود، وكان من أقرب ما يقترب به إلى الملك التقرب إلى أهل وده، نبه سبحانه على ذلك كله بقوله: {ويستغفرون} أي يطلبون محو الذنوب أعيانًا وآثارًا.
ولما كان الاشتراك في الإيمان أشد من الاتحاد في النسب، قال دالًا على أن الاتصاف بذلك يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة وأبعثه على إمحاض الشفقة: {للذين آمنوا} أي أوقعوا هذه الحقيقة لما بينهم من أخوة الإيمان ومجانسته وإن اختلف جنسهم في حقيقة التركيب وإن وقع منهم بعد ذلك خلل يحق عليهم الكلمة لولا العفو {وما قدروا الله حق قدره} {ويعفو عن كثير} «لن يدخل أحد الجنة بعمله».